الشعر في زمن ( بحبك يا حمار)
ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
أعترف بكل ما اوتيت من طول بال وصبر ..انني عجزت واعجز عن فهم معظم القصائد التي تردني فابدو عند قراءتها وكأن عقلي قد فقد قدرته على التركيز أو الفهم .. وما ذلك الا لأني ادرك تماما ان القصائد تلك مرتبطة ارتباطا عضويا باغنية ( بحبك يا حمار ) للمطرب الحميري سعد الصغير .. فهذا شاعر يأكل قطعة من القمر ثم يلوكها باسنانه ويلقيها في فم الحوت .. وآخر يتسربل بالهواء العطن .. وثالث ينام على خد الغابة .. ورابع يرصف الكلمات اثر الاخرى دون معنى او مبنى فتظن انك جاهل لا تفقه من امور الشعر الا اسم (المطرب) عفوا .. الشاعر . ولقد سألت احدى الاخوات الشاعرات مرة فاجابتني بانها ( الموجة الجديدة التي تسمى ما بعد الحداثه ) ولم افهم ما بعد الحداثة ولا حتى قبلها .. فقلت : يمكن ان اكون جاهلا بما يجري في الدنيا من التغير فلآصمت حتى لا يكتشف الناس جهلي .. وهكذا صمت حتى انفلقت .. أخر القصائد التي قرأتها اراد صاحبها ان يتمثل بالشاعر الكبير نزار قباني وبين لي ذلك في مقدمته فقال في شرشوحته .. عفوا قصيدته : عيطت حتى تقرحت رموشي .. بللت منديلي بالزريبة .. فصار النهيق كعصفور بلله القطر .. والثغاء مثل حشفة السلحفاه .. ونير الدب برسيم تأكله الخنافس .. انتهت القصيده واقسم بكل الشحاذين والكهنة والوزراء وحراسهم ورجال المخابرات .. الشيوخ والبطاركة وحتى االحاخامات .. كما اقسم بجديلة امي التي ماتت منذ نصف قرن .. اني فهمت منها شيئا واحدا فقط .. كلمة(الخنافس) التي ظهرت في زماننا في الستينات فصرنا نتمثل بشعرهم القبيح ( بفتح الشين) الذي عرفنا قبحه في هذه الايام فقط .. واستبدلناه ( بقصة المارينز) التي تظهر قبح المنظر والمخبر معا . ولم افهم كيف تقرحت رموش ( الشاعر) ولا كيف بلل منديله بالزريبة .. ولا كيف صار النهيق عصفورا .. اما حشفة السلحفاء فتلك جديدة .. ولكن الدب سيداتي وسادتي لا يحرث الفلاح عليه فلا ( يلبس ) نيرا .. والخنافس ايضا لا تأكل الدببة !! وكالمطربين .. يتمثل شعراء العصر الحميري بالوقوف على المسرح امام الجمهور لكي يلقي على مسامعهم اغنيته التي تجعل الجمهور يرقص طربا وهو مسطول نتيجة السكر والتحشيش و ( البرطعه) ويظل يتمسك بالمياكروفون رغم ما تلقيه على ( جثته ) المتلألئة من اطنان الطماطم والبصل والبيض والعفونه .. ورغم ذلك فهو يغني ويغني حتى ينفلق الجمهور ( فرحة ويأسا ) وحزنا وانكسارا .. ( ونحن هنا نتحدث عن المطربين ) اما ما يسمى بشعراء الحداثة التي سبق واخبرتكم انني لا اعرفها .. فان الحداثة تعني في شعرهم ان يأكل القمر فطورا .. ويتغدى بالشمس ظهرا .. ويتعشى بالنجوم ليلا .. ومن بعد ذلك يلقي بكل ذلك في اكياس الزبالة وليس في معدته التي اصابها التلف والتخمة نتيجة هذه الاكلة الدسمة .. التي لا تأكلها غير البراكين والزوابع . ولا أدري لماذا يمر في خاطري كلما قرأت قصيدة حلمنتيشية من تلك القصائد صورة الشعراء العظام من امثال على محمود طه والسياب والخوري وحافظ ابراهيم واحمد شوقي ونزار قباني وغيرهم .. فيتوارد الى خاطري امران : اما ان نكون نحن ابناء الجيل الذي مضى قد بلغنا من درجة ( الحمرنه ) ما جعلنا لا نفهم شيئا .. واما ان يكون جيل الشعراء الجديد هو الذي وصل الى درجة ( البغلنه ) فاصبح لا يعرف ان كان ذكرا ام انثى .. !! كان الشاعر فيما مضى من ايام الجاهلية يستطيع اقامة حرب او اطفائها .. أن يصلح ما بين عشيرتين او قبيلتين فرقتهما الدماء ببيت واحد من قصيدته .. أن يجمع عدة كتب في شطر واحد من قصيده .. وكان هو التلفزيون الذي ينقل اخبار السياسة ويدير دفة الامور .. والحاكم الذي يتمسح به القوم .. المداح الذي يرفع قومه الى عليين .. وينزل قوما آخرين الى مكان سكن ابليس حسب ما يعتقد الاباء .. فيقول مثلا : قوم هم الانف والاذناب غيرهم .. فمن يساوي بانف الناقة الذنبا .. (.) فيظل بنو انف الناقة عشر سنوات لا يستطيعون الظهور امام القبائل خزيا وعارا .. حتى يرضى الشاعر عنهم فيصالحهم ببيت آخر من قصائده .. اليوم ايها الساده .. يظن كل من امتلك قلما ثمنة ( تعريفه ) بانه شاعر كبير .. ويزعل ويغضب اذا لم تنشر له قصيدته فيتحف الصحف المختلفة وأيضا الشعراء والأدباء والنقاد الكبار بارسالها عشر مرات على البريد الالكتروني ظنا منه انها لم تصل .. ولكنه لا يعلم انها وصلت وهي غير صالحة للنشر .. ومن طريف الامور انه يرسلها في معظم الاحيان دون كتابة بريده فلا نستطيع اجابته .. ويظل يكرر ارسالها حتى نشتم كل الشعراء والقادة والكتبة والصعاليك والمطربين والملحنين والزجالين .. نحن لا نقول للشعراء واشباههم ان لا يكتبوا .. وان لا يلقوا قصائدهم .. وان لا يتحفونا بما لذ وطاب من جميل الكلام ورقته .. ولكننا نطلب اليهم ان يكونوا رحماء باعصابنا .. فالله سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء .. وجميل يحب الجمال .. ولكنه منتقم جبار .. ولسوف يشوي اولئك الذين يشوون اعصابنا بنار جهنم .. هذا من اليقين وليس من الحقد او الشماتة .. ايها الساده : قرأت في كتاب الاغاني ( لابي الفرج الاصفهاني) ما معناه : انك اذا اردت ان تعرف حضارة امة فانظر الى موسيقاها والى مطربيها .. فان رأيت منهم عزوفا عن اللحن وخلطا في الصوت فتأكد ان الامة سائرة نحو الهاوية .. ( هذه احدى صور تلك الحضاره ) ولقد كان في زمن العصر الذهبي ثلة من الموسيقيين فيهم زرياب .. وثلة من المطربين فيهم جميلة .. اما اليوم ايها السادة فاننا نجد في بلد مثل مصر خمسة الاف مطرب مسجلة اسماؤهم على كاسيتات تمتص نقود الناس وترقصهم فقط .. وبعد سماع الاغنية ينساها اولئك الذين اشتروها وضاعت نقودهم .. اما الشعر ايها الساده .. فان ملايين الشعراء في الوطن العربي يحلمون اليوم ان ( تهترىء ) اعصابنا نتيجة القائهم لقصائدهم او ارسالها للنشر .. لكنهم غثاء مثل السيل .. ويقينا اننا سوف نعثر في داخل تلك ( الاكوام ) من الشعراء شاعر يمكن ان نستمع اليه .. ولله في خلقه شئون .