(4)
ليست مجرد ابتسامة للرئيس!
بقلم سليمان جودة ٢٧/ ١١/ ٢٠٠٨
أحيانًا يبتسم الرئيس مبارك، وهو يتفقد موقعًا من المواقع، فتتحول ابتسامته إلى قرار فى الاتجاه الذى أبدى ارتياحه إليه.. وقد يحدث العكس حين يتجهم، أو يغضب، أو يبدو الضيق على وجهه، دون أن يقول بصراحة، ما الذى يريده، فيجتهد المحيطون فى ترجمة الغضب إلى قرار أيضًا!..
وقد يشير مجرد إشارة بيده، فيفهم المعنيون أن هذه الإشارة، إنما هى تعليمات صريحة، وتوجيهات مباشرة، فى اتجاه محدد، ولا تقبل الفصال!
وفى خطابه أمام مجلسى الشعب والشورى، صباح الأحد الماضى، لم يكن الرئيس فى حاجة إلى مجرد ابتسامة، أو إشارة، فى التعبير غير المباشر، عما يريده من الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى.. وإنما راح الرئيس يطالب صراحة، بخفض تكلفة الائتمان، لمساعدة اقتصاد البلد على عبور تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأثرها علينا..
وليس هناك معنى لخفض تكلفة الائتمان، الذى جاء على لسان الرئيس، إلا خفض الفوائد على القروض الممنوحة من البنوك للمستثمرين، ورجال الأعمال، بما يجعلهم قادرين على مواجهة أزمة سيولة، يمكن أن تؤثر بالضرورة على حجم أعمالهم فى الأسواق بالسلب، وبما يؤدى بطبيعته، إلى تزايد معدلات البطالة، وارتفاع أعداد العاطلين!
وقبل أسبوعين، كنت قد كتبت فى هذا المكان، أطالب الدكتور العقدة، بأن يستجيب لرغبة عامة بين المستثمرين، فى اتجاه خفض الفوائد على القروض، خاصة أنه اتجاه عالمى، أخذ به البنك المركزى الإنجليزى،
وقرر خفض الفوائد على القروض بالإسترلينى، بنسبة هى الأولى من نوعها فى تاريخه، قياسًا على قرارات نصف قرن مضى.. وكذلك البنك المركزى الأوروبى، ومن قبلهما مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بالنسبة للدولار!
وكانت لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى، قد اجتمعت برئاسة الدكتور العقدة، بعد قرار البنك المركزى الإنجليزى بساعات، وقررت الإبقاء على الفوائد على القروض فى البنوك المصرية كما هى، وهو قرار بدا وقتها غريبًا للغاية، إذا ما راح أحد يتطلع إليه، فى سياقيه المحلى والدولى معًا!
قطعًا، محافظ البنك المركزى عنده مبرراته المعقولة والمنطقية، ومن بينها رغبته فى خفض معدل التضخم، بالإبقاء على الفوائد كما هى، لأن ارتفاع هذا المعدل، ثم تواصل ارتفاعه خلال الفترة الماضية،
أرغم المحافظ على رفع سعر الفائدة على الودائع، ليلاحق التضخم، ويحاصر آثاره، ولكن الرجل، فى المقابل، مطالب بأن يأخذ أشياء مهمة أخرى، فى الاعتبار، وأن يكون متجاوبًا مع رغبة المستثمرين، بوجه عام، بل ومع رغبة المجموعة الاقتصادية فى الوزارة، بشكل خاص.
وهى مجموعة يستطيع المتابع لما يقوله أفرادها، يومًا بعد يوم، فى وسائل الإعلام، أن يكتشف أنهم راغبون فيما يريده المستثمرون، ولكنهم - أى أفراد المجموعة الاقتصادية الوزارية - يمنعهم الحياء والحرج معًا، من مطالبة المحافظ بذلك، بشكل صريح،
إذ المفترض دومًا، فى ظل أى سياسة اقتصادية منضبطة، أن يكون للوزارة إجمالاً، سياسة مالية، هى من صميم عملها واختصاصها، فى وقت ينفرد فيه البنك المركزى برسم سياسته النقدية، دون أدنى تدخل من الحكومة فيها، أو فى توجيهها إلى ناحية معينة!
يعلم المحافظ العقدة جيدًا، أن كل يوم يتأخره البنك المركزى فى خفض أسعار الفائدة على هذه القروض، إنما ندفع ثمنه كبلد، فى صورة انكماش، وركود، وتراجع فى الأسواق.
وفى صورة تراجع أيضًا فى البورصة.. ويعلم أيضًا، أن مجىء تلك الفقرة الخاصة بخفض تكلفة الائتمان، فى خطاب الرئيس، لم يأت صدفة، ولا عبثًا. وأنه مقصود، وأن فى الفقرة رسالة من الرئيس إليه!