كلام فى الحب
بقلم محمد عبدالقدوس ٢٧/ ٣/ ٢٠٠٩
المصري اليوم ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وهو حديث صحيح رآه البعض دليلاً مؤكداً على كراهية أن يستمتع المتدين بحياته!
وأقول رداً على هذا الكلام إن فن الدعوة أمر لا يعلمه الكثير من أهل التدين للأسف، لكن برع فيه عدد من علمائنا الكبار، على رأسهم فضيلة الشيخ العلامة محمد الغزالى رحمه الله، وهو يصف رسالة الإسلام بأنها بضاعة ثمينة وقعت فى يد تاجر خائب!!
فإسلامنا الجميل مثلاً أحدث ثورة اجتماعية كبرى عندما أباح للإنسان المتدين ما كان محرماً عليه قبل ذلك باسم تعاليم السماء، مثل المرأة والفلوس وسائر «الحاجات الحلوة» فى الدنيا، فجاء من يقوم بتحريم هذه الأشياء من جديد، ولكن باسم الإسلام هذه المرة! وممنوع الفرفشة واللعب والضحك، حتى بــ دا المتديـن وكأنه دومـاً إنســان متجـــهم تعلو التكشيرة وجهه!
وإذا جئنا إلى الحديث سالف الذكر الذى يستخدمه المتزمتون فى تحويل حياة الإنسان العادى إلى «نكد» نجد أنه تم تغيير مساره ١٨٠ درجة! فهو ـ والله أعلم ـ غير موجه إلى المهمشين فى الأرض وأولئك الذين يبحثون عن لقمة عيشهم بصعوبة، لأنهم بالفعل غرباء فى الدنيا وعابرو سبيل!! وهذا الحديث قد يدفعهم إلى الاستسلام للبؤس الذى يعيشون فيه! وبذلك تصدر مقولة من يزعم أن الدين أفيون الشعوب!!
وفى يقينى أن المقصود أساساً من الحديث النبوى الشريف: «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» طائفة من الأثرياء الذين غرقوا فى ملذاتهم ونسوا ربنا! وشباب «صايع» يرتكب الموبقات، أو امرأة فاجرة يدق قلبها كل ٢٤ ساعة!! وباسم الحب تراها منحرفة بعيدة عن الأدب والأخلاق، فيكون هذا الحديث بمثابة الدواء الشافى! وليس معناه أبداً طلاق الدنيا واعتزال الناس، بل دعوة للاعتدال وجرس إنذار فى مواجهة هذا «العك»!
ويعنى هذا أن يستمتع الثرى بحياته ولكن فى حدود الخلق والدين ودون إسراف أو تبذير، وقد رأينا فى حياتنا رجال أعمال ينفقون مئات الآلاف على نساء من أهل الفن، ودخلوا فى مشاكل، وأساءوا إلى أنفسهم وأهلهم وكل العاملين فى مجال البيزنس!
وهذا الحديث دعوة للشّاب المنحرف لأن يعود إلى رشده، ويجمع بين الدين والدنيا، دون إغراق فى الملذات وشرب الخمور والقمار والملاهى الليلية وسائر الملذات التى تتعارض مع الأخلاق الإنسانية التى هى من الفطرة السليمة. والمرأة الفاجرة قد تسخر من حديث «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»! بل قد يصل بها الأمر إلى حد اتخاذ هذا الكلام النبوى مادة للضحك «والتريقة»! بزعم أنها تريد أن تعيش حياتها!
وهناك فارق بين أن تفعل ذلك بتشجيع من إسلامنا الجميل وأن تكون منحرفة يشكو الناس من لسانها السليط وسوء أدبها وحبها للشهوات! وباختصار فالحديث النبوى الشريف ليس موجهاً إلى الإنسان السوى العادى الذى يعيش حياته ويريد الجمع بين الحسنيين أو الدنيا والدين معا! وإنما هدفه طائفة من البشر حياتهم تشكو من «لخبطة!» ونسوا ربهم فأنساهم أنفسهم، ويحتاج الواحد منهم إلى وقفة! وبدلاً من أن تلعنهم ادع لهم بالهداية.