نشوان بتاع النسوان .. بقلم محمد أبو كريشة .. جريدة الجمهورية 31/5

نشوان بتاع النسوان !!
بقلم : محمد أبو كريشة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ألف مبروك أيها العربي.. لقد حكمت المحكمة حضوريا ببراءتك.. "برطع وزقطط وافرح وارقص".. لم يعد هناك اتهام.. وطاشت كل السهام.. وكل ما نسب إليك أوهام.. "غلب حماري.. وخلعت خماري ولم أعد أجادل أو أماري".. أنت بريء لعدم كفاية الأدلة.. أنت بريء لخطأ في إجراءات الضبط.. أنت بريء لإقامة الدعوي من غير ذي صفة ولا مصلحة.. وأنا غير ذي صفة.. أنا غير ذي مصلحة "أنا حشري ومدمن كشري".. أنت بريء لعدم اختصاص المحكمة.. وكل القضايا ضدك "شُرُك وفشنك".. "طلعت منها" كالشعرة من العجين لأن المدعي عليك ليس له في الثور ولا في الطحين.. ألف ألف مبروك.. مارس نشاطك وعد إلي وظيفتك وارفع دعوي تعويض ضدي لأخسر "الجلد والسقط".. ليس عندي ما يكفي للجري في المحاكم والبهدلة في أقسام الشرطة.. ولن أستطيع أن أجاريك أو أواجهك في ساحات القضاء فأنت تملك المعلوم الذي يحولك من ظالم إلي مظلوم.. وأنا لا أملك أي معلوم. لذلك سأكون أنا الظالم.. "ولا يهمك مني" أيها العربي.. "سكتك سالكة وسكتي هالكة".
ليس في جراب الحاوي أي جديد.. ولا تجد مفاجآت مدوية.. ولا أحد يندهش ولا يمكن كسب تعاطف الرأي العام ضدك أيها العربي.. فأنت الرأي العام والقطاع العام والقطاع الخاص.. أنت الحكومة والمعارضة والقانون والشرطة والصحافة وأنت النخبة والسوقة. وكل ما يقال ضدك خروج علي الشرعية وكسر للقواعد وسباحة ضد التيار.. وأنت التيار أيها العربي الفاسد والسفيه والفاسق.
مرة أخري ينطلق لساني "اللي عايز قطعه" ويكيل لك الاتهامات بالفساد والسفاهة والفسق.. وأراك تضحك مني وتخرج لي لسانك سخرية.. "عندك حق".. فلقد أصبحت خارج التاريخ.. أحارب بسيف خشبي أو ورقي في زمن الصواريخ العابرة للقارات والرءوس النووية.. ومن حقك أن تسأل ساخرا: "يعني إيه فاسد وفاسق وسفيه؟"
حقا.. ما معني هذا التخريف؟ وماذا تعني هذه المفردات؟ ومن هذا الذي جاء من الزمن السحيق ليتحدث بلغة ويردد مفردات لم يعد لها معني؟
هيئة المحكمة نفسها لا تفهم هذه المفردات.. والرأي العام لا تشده هذه الشعارات.. والقاريء والسامع والقاصي والداني يتثاءبون مللا وهم يتابعون قائمة أو لائحة الاتهامات التي نوجهها للعربي.. ولا أحد يحرك ساكنا أو يطرف له جفن.. والكل يقول بصوت واحد: قل جديدا أو اخرس.. "أمها راضية وأبوها راضي.. مالك انت ومالنا يا قاضي؟".. هذا هو قول الدفاع الذي ينهي القضية تماما. ويجلب لك البراءة يا عربي ويزج بي في القفص والسجن بدلاً منك.. أمها راضية وأبوها راضي.. فما المشكلة؟ وما دخلي أنا؟ وأمها وأبوها وأخوها وحاميها وحراميها هم أصحاب الصفة وأصحاب المصلحة.. وحاكمها وشاكمها وزاكمها وملاكمها هم المعنيون بالأمر.. ومحكومها ومزكومها وملكومها هم الذين وقع عليهم الضرر.. وهم لا يشعرون بأي ضرر.. بل هم يتلذذون بالضرر ويستمتعون بالذل.. فمالي أنا وما مصلحتي وما صفتي؟ هكذا يرفع الدفاع عقيرته ويزأر في قاعة المحكمة ويجلب البراءة ويقلب المنضدة علي رأسي لأصيح أنا الظالم المفتري.. وربنا علي الظالم والمفتري وابن الحرام.
* * *
ويقول الدفاع بلغة الواثق والفاسق أيضا: سيدي القاضي.. حضرات المستشارين.. لم يعد هناك ما يدهش.. وعندما تغيب الدهشة تسقط التهمة.. عندما يموت الاستنكار.. ينعدم الجرم.. ولا أدري باسم من أقام هذا المعتوه دعواه ضد العربي البريء.. "خللي بالك المعتوه ده هو أنا".. باسم المجتمع؟ باسم الأمة؟ باسم الشعب؟ لا أدري باسم من أقام "اسم النبي حارسه" هذه الدعوي.. "خللي بالك اسم النبي حارسه ده هو أنا".. الأمة راضية والمجتمع راض والشعب راض "مالك انت ياسيدي القاضي؟".. والرضا ياسيدي القاضي ينفي جريمة الاغتصاب ويسقط الدعوي ويهدم كل أركان القضية.. الرضا يا سيدي القاضي يسقط الفساد والفسق والخيانة وبيع القضايا.. ونحن أمة طيبة "حبوبة.. دبدوبة التخينة".. "أمة راضية في كل الأحوال.. والشعب العربي يتمدد وينكمش.. وقماشته قابلة لأي تصميم.. اشتراكي "ماشي".. رأسمالي "ما يضرش" إخواني "زي الفل".. حزب واحد "أحسن".. تعدد أحزاب "أحسنين".. حرب مع إسرائيل "أهلا وسهلا".. سلام وخيار أو حتي حرب لصالح إسرائيل "لا بأس".. ليس هناك شعب في العالم يمكن أن تفرده وتثنيه وتغسله وتكويه وتعمله بوجوديه.. وانت حر تماما فيه سوي الشعب العربي الطيب الصبور الأصيل.. فهو شعب مع الشرعية حتي إذا لم يفهم وهو دائما لا يفهم ما معني الشرعية.. وما معني اللجنة الفرعية والمنبثقة والمنبصقة.
سيدي القاضي "ولاحظ ان القاضي عمال يهز راسه طربا ويعزف علي أغنية الدفاع" وينظر إلي المعتوه الذي هو أنا بشماتة.. ويمضي الدفاع: سيدي القاضي: تستطيع إذا غلب حمارك أن تحكم بانقضاء الدعوي لوفاة المتهم أو المدعي عليه وهو الشعب العربي وعندي ألف دليل علي انقضاء الدعوي.. وأهمها أن المدعي عليه لا يندهش ولا يستنكر ولا يتعجب ولا يغضب ولا يغار ولا تحترق أعصابه ولا يشد شعره.. ولا تنزل منه قطرة دم رغم هذا الكم الهائل من الطعنات واللعنات.. وانه غير معني بكل ما يجري له وأن سلخه لا يؤلمه بعد أن تم ذبحه.. وانه لا يقاوم "ولا يفرفر ولا يفلفص".
سيدي القاضي.. حضرات المستشارين: لابد انك فاضي يا سيدي القاضي لأنك قبلت أن تكون قاضيا في دعوي "خسرانة" رفعها معتوه "المعتوه ده هو أنا".. والمعروف ان "الفاضي يعمل قاضي".. ما هو الاتهام بالضبط؟.. وكيف يكون هناك جرم إذا كان المجني عليه سعيدا بما يجري له؟ إذا كان المجني عليه مصابا "بالساديزم" أي انه يتلذذ بالتعذيب.. بل ويستمتع به ويبلغ قمة النشوة بالضرب علي "قفاه"؟
كيف يقال ان العربي وهو موكلي البريء قد اخترق القيم والأعراف والمباديء وتصرف بما ينافي ويجافي الآداب العامة وأتي بأفعال فاضحة في الطريق العام؟ كيف يقال انه فاسد وفاسق ويطلق عليه "الاستاذ نشوان بتاع النسوان".. وانه حرامي ومختلس وخانع وخاضع وخائن وشاهد زور وكذاب "وبياع قضايا" "ومقطع السمكة وديلها"؟
* * *
سيدي القاضي: قبل أن نبحث عن اختراق القيم وتجاوز الأعراف وخدش الحياء ومنافاة ومجافاة الآداب العامة وجريمة "الأستاذ نشوان بتاع النسوان".. دلني أولاً علي القيم والأعراف والحياء والآداب العامة.. هذه أشياء ليس لها وجود إلا في خيال ذلك المعتوه المدعي "اللي هو أنا".. وعندما لا يكون هناك معتدي عليه لا يكون هناك عدوان.. وعندما لا تكون لدينا جثة لا نستطيع القول بأن هناك جريمة قتل.. أريد أولاً أن تدلوني علي الحياء حيا أو ميتا قبل أن نبحث عن الخدش في جسده أو في جثته.. لا توجد جريمة ولا يوجد اتهام.
كل ما يدعي ذلك المعتوه "اللي هو أنا" انه جرائم أصبح مدعاة للفخر والزهو ويجبر الناس علي احترام المجرم أو الذي كان في الماضي مجرما.. وكل واحد منا يتمني أن يكون "الأستاذ نشوان بتاع النسوان".. وكل من ليس "بتاع نسوان" يعاني قصر الذيل أو ضعف وهزال الذيل.. وهذه تهمة لا ندفعها وشرف لا ندعيه.. وحكاية النسوان سيدي القاضي طويلة.. وألتمس من عدالة المحكمة تخصيص جلسة لها وحدها لأن فيها تفاصيل كثيرة ومسلية.. فتلك لم تعد تهمة.. بل إن الناس "اللي مالهمش" في البقرة ولا في الثور ولا في الجعجعة ولا في الطحن يخترعون لأنفسهم حكايات تجعل كلا منهم "الأستاذ نشوان بتاع النسوان".
دلني سيدي القاضي علي تهمة تشعر مرتكبها بالعار وتؤدي إلي نبذه وعزله ولفظه مجتمعيا.. فالمجتمع هو القاضي الاكبر الذي يحكم علي المجرم والبريء.. وهذا المجتمع أو هذا القاضي يرفع الأستاذ نشوان بتاع النسوان إلي أعلي قمة.. ويعلي من شأن الفاسد والفاسق والجاسوس والخائن وشاهد الزور والحرامي وفتاة الليل.. هذا المجتمع الذي ندافع عنه وينبري هذا المعتوه "اللي هو أنا" لإقامة دعوي باسمه.. يحسد الفاسد ويصفق للحرامي ويلتمس ألف عذر للأستاذ نشوان بتاع النسوان ويتمني أن يكون الكل مثله.. هذا المجتمع يسمي الجنس والسقوط إبداعا.. ويسمي الرشوة "تفتيح مخ وتصرفا".. ويسمي النصب والفساد شطارة وفهلوة.. هذا المجتمع يدعوك إلي أن تسرق الجمل وتعشق القمر.. فإذا كان لابد من الفضائح والمساءلة والسجن فليكن ذلك من أجل شيء يستحق "إن سرقت اسرق جمل وإن عشقت اعشق قمر".
سيدي القاضي: كل ما يدعي هذا المعتوه الأخرق "اللي هو أنا" انه جرائم نكراء صار أوراق اعتماد الناس ليحتلوا أعلي المناصب وأرفع المواقع.. صار مسوغات تعيين ومؤهلات ذيوع ونجومية وشهرة.. كل الجرائم التي ذكرها المعتوه الأبله الأخرق "اللي هو أنا" أصبحت أدلة تحضر واستنارة ومواكبة للعصر.. لم تعد تلك جرائم.. بل صار كل ذلك شرفا وحيثية ونفوذا. فالناس الذين يريدون أن يثبتوا أنهم "عضمة جامدة" وذوو نفوذ لابد أن يفسدوا علنا ويتجاوزوا علي الملأ ويرتكبوا أبشع الأخطاء علي رءوس الأشهاد تحديا واثباتا للقوة والقدرة.. لم يعد الفجور جريمة يا سيدي القاضي بل صار دليلا يقدمه الفاجر علي أنه لا يبالي وانه فوق القانون.
* * *
الناس يا سيدي يخادعون الله ورسوله.. فكيف نستكثر أن يخادعوا الناس أمثالهم.. الناس يا سيدي ينصبون ويفسدون باسم الله والأستاذ نشوان أصبح أيضا داعية نسوان ومفتي نسوان.. يحب النسوان في الله.. تخيل كمية الجرأة والوقاحة حتي يصل الأمر إلي الحب والجنس في الله باسم الدعوة.. تخيل ان الأستاذ نشوان بتاع النسوان أصبح مفتي أسرة ومخادع وغرف نوم.. وسجن الدين بين الأرداف والأفخاذ ولم يعد هناك دين خارج الشق الأسفل للمرأة والرجل.. لقد تحول الأستاذ أيضا إلي الشيخ نشوان بتاع النسوان.. ولكل عصر أدواته سيدي القاضي.. كنا في الماضي نجتذب النسوان بالخنفسة والبرمجة وبطريقة عبدالحليم حافظ وبالشعر الطويل والسبسبة والتسبيل.. والآن يا سيدي نوقع بالنسوان من خلال اللحي و الجلباب القصير والمسبحة والزبيبة.. والمواعيد بدلاً من دور السينما صارت في المساجد والكنائس "أهه منه حب ومنه عبادة".. "ومنه درس في الهوي ومحاضرة في الدين".
سيدي القاضي: هذا المعتوه الأخرق الأبله "اللي هو أنا" في غيبوبة.. لقد أماته الله مئات السنين ثم أحياه وأراد أن يشتري أزكي طعام بعملة قديمة بالية أثرية انتهي عصرها اسمها القيم والأخلاق والأعراف والحياء.. أراد إثارة الدهشة الميتة والاستنكار المنتحر.. والأمة التي تواكب العصر في منتصف الليل في المخادع الحرام والأسرّة التي ينام فيها الشيطان.. وفي الطريق العام الذي صار بيت دعارة واسعا يديره الأستاذ أو الشيخ نشوان بتاع النسوان!!
نظرة
هناك نظريات لا تتخلف أبدا مهما تباينت العصور فيقال مثلاً إذا استب اثنان أي تبادلا السب والشتم كانت الغلبة لألأمهما أي أكثرهما لؤما وسفالة.. وهذا في عصرنا أبين وأظهر.. فالغلبة للسفلة والنجومية لأهل السفاهة والسيادة للمنافقين الذي يستجيبون لكل ناعق.. وورد أن الشاعر الأموي عبدالله بن قيس الرقيات مدح بني أمية قائلاً:
ما نقموا من بني أمية إلا .. أنهم يحلمون إن غضبوا
وأنهم معدن الملوك ولا .. تصلح إلا عليهم العرب
وقد غلطت قينة مغنية عند الخليفة العباسي هارون الرشيد وغنت البيتين. فهم بقتلها لولا أنها تداركت الموقف وقالت بسرعة البرق:
ما نقموا من بني أمية إلا .. أنهم يجهلون إذا غضبوا
وأنهم معدن النفاق فما .. تفسد إلا عليهم العرب
وقد قيل للمغنية القينة الجارية: تقولت علي عبدالله بن قيس الرقيات ما لم يقله فهل هذا من الشرف والدين؟ فقالت: أنا جارية وملك يمين.. باعني النخاس كلي.. فلا بأس من أن أبيع بعضي لأشتري كلي.. لا بأس من أن أبيع شرفي وديني لأشتري حياتي.. فهل أصبحنا جميعا من الإماء والعبيد ويصلح لنا عذر تلك الجارية؟!!

مرورك أسعدني أخي الحبيب أحمد عمر .. وبصراحة أنت احييت المنتدى مرة أخرى .. جزاك الله خيراً أخي الحبيب