سر الرجل
المصري اليوم بقلم عائشة عبدالمحسن أبوالنور ٩/ ٦/ ٢٠٠٩«الكاريزما».. تُرى ماذا يعنون بها؟ من أين تأتى تحديداً، وهل مصدرها داخل النفس البشرية أم فى شكلها الخارجى؟! هل يمكن للشخص الذى يتمتع بصفة الكاريزما أن يصنعها ويفبركها بنفسه لنفسه أم هى «نعمة» من عند الله يخص بها البعض القليل من عباده لحكمة يعلمها؟! لا أحد تقريباً من بين شعوب الأرض يختلف على أن باراك أوباما يتمتع بمواصفات شخصية آسرة للقلوب والعقول معاً، لم يشهد العالم الحديث لها مثيلا منذ غياب الرئيسين كيندى وجمال عبدالناصر.
جلست يوم الخميس الماضى تحت قبة جامعة القاهرة مع زملائى من الإعلاميين وجمهور عريض يضم كل ألوان الطيف من قيادات العمل المصرى أتابع خطاب باراك أوباما بكل حواسى. ركزت اهتمامى على صوته، كلامه، حركات جسمه وتعبيرات وجهه.
وجّهت جزءاً كبيراً من تركيزى العقلى والشعورى فى البحث عن السر وراء الشعبية الكاسحة للرجل، سواء من داخل الولايات المتحدة أو من خارجها.
وأخيراً توصلت الى حقيقة مهمة مفادها أن «سر» كاريزما أوباما ينبع من أربعة مستويات أساسية قلما نجدها مجتمعة داخل شخصية واحدة، خاصة لو كانت تمتهن العمل السياسى فى أعلى مستوياته، والتى اشتهرت تاريخياً فى معظم بقاع الارض بالبرجماتية المكيافيلية.
تلك المستويات الأربعة تتشكل فى حسن استخدام أوباما لقدراته العقلية بأسلوب متطور مبدع وخلاق، خاصة عندما أعلن أثناء خطابه عن موقفه الإيجابى حيال وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة، وتصريحه الشجاع بأن القدس هى عاصمة دولية تضم الأديان الثلاثة، وهو ما تعتبره حكومة نتنياهو اليمينية الضربة القاضية لمشروعها القومى الاستيطانى التوسعى.
أما عن المستوى العاطفى فيتضح فى حرص أوباما على التعامل مع الشعوب على اختلاف مواقعها الجغرافية على اعتبار أنهم «فرد» إنسان يشعر ويعانى ويتألم نفسياً وجسمانيا بسبب ديكتاتورية الحكام وفساد الحكومات، وهو ما عبر عنه فى واحدة من أقوى نقاط خطابه عندما وجه الاتهام واللوم إلى الساسة الذين يتشدقون بالشعارات الديمقراطية وقت حملاتهم الانتخابية وعند اعتلائهم كرسى السلطة يتحولون إلى طغاة مستبدين.
أما المستوى الثالث لكاريزما أوباما فيتعلق بلغة الجسد Body language، فالعلم الحديث يفسر لنا أن جسد الإنسان له لغة تعبير عن نفسه أعمق وأصدق من لغة الكلام، فهى تعكس ما فى داخل نفسه من خير وشر، من سلام وعداء، من حب وكراهية.
وكل من تابع حركات أوباما الجسمانية أثناء إلقاء خطابه فى جامعة القاهرة، وشاهده على شاشة التليفزيون أثناء اجتماعه القصير مع الرئيس مبارك ثم خلال زيارته لأهرامات الجيزة، سوف يلحظ بوضوح أنه أمام لغة للجسد تعبر عن بساطه صاحبها وتواضع نفسه فى صورة طبيعية لا ادعاء فيها ولا تصنع.
فأسلوبه عند المشى والجلوس وصعود وهبوط السلم ينم عن ثقة عميقة فى النفس، وعن ثبات ويقين مبنى على نقاء الروح والضمير، أما الزاوية الرابعة لسحر شخصيته فتكمن فى «استقامة» المبادئ والأفكار التى يعتنقها ويعمل بها، من بينها عدم التمييز ضد المرأة وهو ما عبر عنه فى خطابه بتأكيده على حقها فى نيل فرصتها من التعليم، وأخذها فرصاً متساوية مع الرجل للوصول إلى المواقع القيادية داخل مجتمعها، كما أعجبنى وعيه الروحى بوحدة الجماعة الإنسانية وارتباطها بباقى مظاهر الكون وتوحدها مع الروح المقدسة للإله الواحد.
خلاصة القول أن الإنسان كى يتصف بالكاريزما لابد أن يكون متمتعاً بروح نقية شفافة، وعقل واع بتحديات الحياة، قادر على ترجمة أفكاره فى صورة مشروعات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وقلب مؤمن بالحب غير المشروط لكل الناس دون تمييز.